الجمعة، 18 فبراير 2011

ترجمة الشيخ يعقوب الباحسين

ترجمة الشيخ العلامة الأصولي/ يعقوب الباحسين -حفظه الله-
 الحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبيَ بعده، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعدُ:
فقد من الله على هذه الأمة بعلماء أجلاء قديماً وحديثاً، حملوا لواء العلم فقهاً وأصولاً وتفسيراً وحديثاً، وسعوا لتحصيل العلم ونشره سعياً حثيثاً، ومن بين هؤلاء العلماء في هذا الزمان: العلامة المتفنن الأصولي المتقن ذو التصانيف النافعة والمؤلفات الماتعة/ يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين -حفظه الله ورعاه-،هذا وقد أجرى طلاب المعهد العالي للقضاء لقاء مع الشيخ يعقوب، تحدث فيه الشيخ عن حياته، ومع أن اللقاء لم يتجاوز نصف ساعة إلا أنه قد ذكر فيه سطوراً من سيرته وصفحات من حياته، ووفاء بحق هذا العالم الجليل أحببتُ أن أنقل لكم بعض ما ذكره في ذلك اللقاء تمهيداً لكتابة سيرته بشكلٍ أوسع إن شاء الله، وقد كان ذلك اللقاء مع الشيخ -وفقه الله- في يوم الاثنين 26/3/1427هـ مابين الساعة الثامنة والنصف حتى الساعة التاسعة تقريباً، أسأل الله أن ينفع بهذه السيرة العطرة طلاب العلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بين يدي الترجمة:
إخوتي الكرام، من حضر منكم دروس الشيخ يعقوب -حفظه الله- رأى وسمع العجب العجاب، فهو عالمٌ متفنن، إذا تكلَّم في أصول الفقه فهو البحر الذي لا ساحل له، يحقق فيه القول ويدقق، ويأتي بالأقوال ويرجّح ترجيح إمام متقن، وربما تكلم في مسألة لغوية فسرد شيئاً من ألفية ابن مالكٍ سردَ متقن، وكم أراد الاستشهاد بشيء من أشعار العرب فسرد مقطوعة من الشعر، يحفظ ما لا يحصى من أشعار المتقدمين والمتأخرين، ويمتاز الشيخ بطرافته وتواضعه وزهده في مظاهر الدنيا.
الشيخ يعقوب ذو شغفٍ شديدٍ بالكتب والتأليف، يجلس في مكتبته من بعد الفجر إلى وقت دوامه، ثم من بعد العصر إلى الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل في كل يوم تقريباً، ومع هذا يشتكي من ضيق الوقت عن تبييض مصنفاته ومؤلفاته مما يدل على همّّةٍ منقطعة النظير على كبر سنه وانحناء ظهره وشيبة رأسه.
أسأل الله أن يديم عليه النعم ويدفع عنه النقم ، وأن يوفقه لخيري الدنيا والآخرة، والآن مع مقتطفات من اللقاء.

اللقاء:
** درس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدينة البصرة بالعراق.
** أبرز من أخذ عنهم العلم في البصرة: الشيخ عبد الوهاب حسون الفضلي، إمام مسجد عبد الله في البصرة، وهو من علماء أهل السنة، وقد كان عالماً جليلاً، درس عليه عدد من الكتب في علوم شتى.
** بعد وفاة الشيخ عبد الوهاب الفضلي جاء إلى البصرة شيخ الأزهر الحالي/ سيد طنطاوي، وكان واعظاً ثم صار إمام ذلك المسجد.
** لم يكن في البصرة علماء سوى الشيخ عبد الوهاب الفضلي، وشيخ آخر اسمه "مصطفى المفتي" كان مفتياً في البصرة في أواخر الدولة العثمانية، أما من سواهما فكان يوجد عدد من المشايخ الوعاظ، ويوجد عدد من مشايخ الشيعة المرتزقة الذين يتولون إبكاء الناس واللطميات ويأخذون منهم مبالغ يعيشون بها بقية العام.
** كان الأزهر أكبر معالم الدراسة الدينية في العالم الإسلامي آنذاك.
** ولذا انتقل إلى مصر عام 1947م للدراسة في كلية الشريعة بجامعة الأزهر، وذلك قبل أن يضاف لها "القانون"، وقد ذكر الشيخ أنه أضيف إليها بعد ذلك "القانون" فصارت كلية الشريعة والقانون، وعند إضافة القانون قُلّصت المواد الشرعية بشكل كبير.
** كان يُدرَّس في الكلية آنذاك "سبل السلام" و"نيل الأوطار" وتفسير آيات الأحكام.
** بعد التخرج من مصر 1951م رجع إلى البصرة وقام بالتدريس في الثانويات، ومعاهد إعداد المعلمين، فدرّس النحو والأدب واللغة وتاريخ الأدب وشيء من المواد الدينية -وكانت المواد الدينية قليلة ومحدودة في المدارس-.
** في الستينات الميلادية التحق بالدراسات العليا بجامعة الأزهر، وحصل على الدكتوراة برسالته "رفع الحرج في الشريعة الإسلامية" [عام 1972م].
** أثناء الإقامة بمصر التقى بعدد من مشايخ الأزهر: منهم الشيخ محمود شلتوت، والشيخ علي السايس، ومن غير الأزهر: الشيخ عبد الوهاب خلاف، وكان الشيخ خلاف يكتب في مجلة لواء الإسلام وهو ذو قدرة على تبسيط المعلومات والتأثير في سامعيه، وكان الشيخ يعقوب يحضر محاضراته في التفسير.
** كان يحضر محاضرات شلتوت في التفسير، وكانت طريقة الشيخ شلتوت تختلف عن طريقة الشيخ خلاف، وللشيخ شلتوت فتاوى مخالفة يُقال: إنه رجع عنها.
**التقى بالشيخ/ محمد أبو زهرة وكان يزوره في بيته، وحضر له في المنيل.
** كانت المسألة التي أشغلت الناس في ذلك الوقت مسألة "تحديد النسل" وكانت الحكومة تشجع تحديد النسل، ومع هذا فقد قام الشيخ أبو زهرة بمحاربة "تحديد النسل" وكان يذكر أنه مؤامرة من أعداء الإسلام.
**كان الشيخ أبو زهرة شديداً في الحق لا تأخذه في الحق لومة لائم، وكان يدرّس في زمن عبد النصر فأمر عبد الناصر بإحالته للتقاعد بسبب قوته في الحق، ثم رجع إلى للتدريس في الدراسات العليا، وكان أبو زهرة ينتقد السياسيين الذين يتخذون المصلحة سلاحاً لتحكيم القوانين وبعض التصرفات التي تبدر منهم، وقد ألقى محاضرة في ليبيا واعترض على القذافي.
** التقى الشيخ يعقوب بالكوثري وزاره، وهو عالم ضليع بلا شك، وقد ناقشته في بعض المسائل، وقد نصحني بعدم قراءة كتب ابن تيمية وابن القيم!!، وهو حنفي متعصب وصوفي، له عبارات شديدة لا تليق في حق العلماء.
**وممن استفاد منهم الشيخ مصطفى عبد الرازق وهو عالم ضليع في أصول الفقه، وأخوه هو عبد الغني عبد الرازق.
** بعد حصوله على الدكتوراة درّس الأصول والوصايا والمواريث وغيرها في كلية الحقوق بجامعة البصرة، ومن ذلك بدأ اهتمامه وعنايته بعلم أصول الفقه.
** طلب التقاعد من جامعة البصرة لينتقل عنها فأحيل إلى التقاعد ثم انتقل الشيخ إلى الرياض حدود عام 1402هـ وذلك بسبب ظروف العراق التي لم تكن ملائمة للبقاء، حيث كان للشيخ عددٌ من البنات يدرسن في الثانوية ويواجهن مضايقات في لبس الحجاب مما كان سبباً للانتقال إلى الرياض.
** منذ ذلك الحين والشيخ يدرس أصول الفقه في جامعة الإمام، وهو الآن يدرس في المعهد العالي للقضاء.
** حصل على جائزة الملك فيصل بسبب مؤلفاته في القواعد الفقهية.

هذا ما تيسر من ترجمة الشيخ يعقوب -وفقه الله-، وأسأل الله أن ييسر فرصة لترجمة أوسع لشيخنا الجليل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

زيارة للقصيم

 
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعدُ:
فقد وفقني الله لزيارة القصيم في يوم الثلاثاء 8/محرم/1427هـ، وتشرفت بلقاء عدد من أهل العلم المعمرين، فأحببت أن أكتب مشاهداتي لعل الله أن ينفع بها، فأقول:
بعد رحلة دامت 3ساعات وصلنا إلى بريدة من الرياض، وقد كان وصولنا إليها وقت أذان المغرب، فصلينا المغرب مع الشيخ عبد الله بن محمد الصالح المطوع في مسجد السوق "سوق الخضرة"، وقد كان المصلون في المسجد قرابة 7صفوف، وكان الشيخ يصلي من غير مكبر صوت.
بعد صلاة المغرب سألنا: (هل يجلس الشيخ العليط للإقراء؟) فقيل لنا (إنه يجلس بعد العشاء) فخرجنا من المسجد متوجهين إلى الجامع الكبير ببريدة فصلينا فيه ثم جلسنا في مجلس إمامه الشيخ/ عبد الله القرعاوي، وهو شيخ مهيب، وكان له مجلس إقراء، يحضره 4طلاب، يقرؤون في حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم، وفي فتاوى ابن تيمية وطريقة الشيخ في الإقراء[في ذلك المجلس] أنه يستمع لقراءة الطلاب فإذا أخطأ الطالب صحح له الشيخ قراءته ولم نسمع منه تعليقاً ولا شرحاً مدة جلوسنا قرابة (ربع ساعة) استأذنا بعد ذلك من الشيخ لننصرف فأشار إلينا بالإذن بابتسامة أذهبت عنا عناء السفر،
فخرجنا من عنده متوجهين إلى بيت الشيخ/ عبد الله بن محمد الحسين أبا الخيل وهو شيخ حنبلي فقيه زاهد، فعدناه -حيث إنه كان مريضاً- مكثنا عنده قرابة العشر دقائق سألناه عن صحته وعن والده الشيخ العلامة محمد الحسين صاحب كتاب الزوائد في الفقه الحنبلي،
خرجنا من عنده قبيل أذان العشاء فتوجهنا إلى مسجد الشيخ علي المشيقح وهو واعظ سريع الدمعة رقيق القلب -نحسبه كذلك-، فانتظرنا في المسجد ولم يكن فيه سوى ما يقارب العشرة أو أكثر بقليل حتى أقبل الشيخ وبرفقته خادم له يحمل الكتاب ملفوفاً بقطعة من القماش فجلس الشيخ وأعطى الخادم أعواد البخور وأخذ منه الكتاب ثم جلس وبدأ يقرأ من الكتاب [أظنه البداية والنهاية لابن كثير] وكان يقرأ في قصة الإسراء والمعراج ويتخلل قراءته تعليق ووعظ وإرشاد ممزوجة بالدموع والعبرات وكان يتكلم بلهجة قصيمية صرفة ، فلما انتهى من القراءة أغلق الكتاب وحث على مجالس الذكر ، بعد ذلك قال -بلهجة القصيم-: (دعونا نطرق باب الحي القيوم) فبدأ يدعو بتضرع ودموع، ثم أقيمت الصلاة فصلى الشيخ بنا.
بعد ذلك انطلقنا إلى مجلس السوق لندرك القراءة على الشيخ العليّط فوجدنا المسجد قد أغلق، فيممنا جهة مكتبة المجتمع في بريدة، ثم ذهبنا إلى قصر العزيزية في الأفراح حيث كنا مدعوين لحضور عرس أحد الإخوة من طلبة العلم، فلم تصل الساعة إلى العاشرة حتى خرج العروسين ولم تكد عقارب الساعة تصل إلى العاشرة والنصف حتى لم يعد في القصر أحد من المدعوين.
بتنا تلك الليلة فلما أصبحنا توجهنا إلى مسجد السوق وصلينا فيه الفجر خلف الشيخ المطوع، بعد الصلاة بدأ طلاب الشيخ يقرؤون عليه فمنهم من يسمّع شيئاً من القرآن ومنهم من يقرأ في تفسير ابن كثير ومنهم من يقرأ في صحيح البخاري والشيخ يعلّق تعليقات يسيرة على قراءة القارئ تتضمن مواعظ وإرشادات وتذكير بحقارة الدنيا، العجيب أن عدداً طلاب الشيخ تتجاوز أعمارهم الستين -فيما يظهر- وبعضهم قد انحنى ظهره وشابت لحيته ولازال يحمل كتابه كل صباح ليقرأ على الشيخ.
جلسنا في مجلس الشيخ وتشرفت بقراءة كتاب الرقاق من مختصر البخاري على الشيخ وكانت تعليقاته القليلة في الوعظ والزهد تكاد تنسي الإنسان دنياه، والشيوخ حوله يتأثرون بتعليقاته ويرفعون أصواتهم بالتهليل والتكبير.
وكان الشيخ العليّط في هذه اللحظات جالساً بيده المصحف يقرأ حتى طلعت الشمس لم يفارق مجلسه ثم قام فصلى ركعتين ثم خرج من المسجد ثم عاد وجلس للإقراء، والشيخ من زهاد الأمة الذين قلّ أن يوجد له نظير، إذا رأيته تظنه رجل قد جاء من الآخرة وهو صاحب علم وخشية فيما نحسب، جلس يقرئ ويعلّق على القراءة تعليقات نفيسة إلا أن صوته منخفض وغامض لايكاد يُسمع ولايُفهم، وقد قرأت عليه شيئاً من كتاب الطب من مختصر البخاري.
ثم انصرفنا ونمنا القائلة، فلما أذن الظهر توجهنا إلى مسجد الشيخ فهد التركي وهو من طلبة العلم الزهاد فصلينا خلفه الظهر وكانت صلاته طويلة تذكر بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر، فلما قضيت الصلاة جلس يذكر الله ثم صلى الراتبة وجلس في وسط المسجد فجاءه طالبان فقرأ أحدهم شيئاً من الواسطية وشرح الشيخ له شرحاً متوسطاً بين الطويل والقصير، بعد الدرس سألناه عن المشايخ المعمرين في القصيم فأخذ يحدثنا عن سيرة الشيخ العليّط وذكر من زهده وخشيته وعبادته شيئاً ثم ذكر لنا الشيخ(صالح الرشيد) وذكر لنا طرفاً من عبادته وزهده وورعه وكراماته، وذكر لنا الشيخ (إبراهيم العمر) وأثنى عليه خيرا، ثم ذكر لنا (الشيخ علي بن إبراهيم المشيقح) وأثنى على فقهه وعلمه وذكر أن عمره يجاوز التسعين وأنه غير معروف عند طلبة العلم الشباب مع أنه عالم جليل لاسيما في فقه الحنابلة.
بعد ذلك خرجنا من عند الشيخ فهد متوجهين إلى جامع الخبيبية حيث الشيخ إبراهيم العمر والشيخ صالح الرشيد، لكن لم نجدهما لأنه ليس وقت صلاة فسألنا عن دروسهما فأخبرنا أن للشيخ إبراهيم درس بعد المغرب في الدرر السنية، وكتب أخرى لكن لم يتيسر لنا رؤيته ولا حضور درسه لارتباطنا بمواعيد أخرى، جلسنا قليلاً في مكتبة (جامع الخبيبية) وهي مكتبة صغيرة وغير مرتبة.
ثم انطلقنا إلى مسجد الشيخ علي بن إبراهيم المشيقح القاضي الفقيه وهو غير الشيخ علي المشيقح الواعظ الذي ذكر آنفاً.
صلينا العصر ثم جلسنا مع الشيخ علي وأخذ يحدثنا عن مؤلفاته وذكر أن له نظماً في العقيدة يقع في (15) ألف بيت فسألناه هل يمكن أن نقرأ عليه شيئاً من زاد المستقنع فاعتذر وقال لايقرؤ عليّ هذه الأيام سوى بعض كتبي، ودعانا إلى أن نزوره في مزرعته اليوم التالي لكننا اعتذرنا لأننا سنسافر قبل ذلك، طلبنا منه بعض كتبه فامتنع فلما ألححنا عليه قال(صلوا معي المغرب وأعطيكم بشرط أن تصححوا الأخطاء من جدول التصويب الذي سأعطيكموه) فصلينا المغرب معه ثم تبعناه إلى منزله فأعطانا ثلاث نسخ من الجزء الأول من نظمه في العقيدة.
ثم توجهنا إلى عنيزة فزرنا الشيخ محمد بن عبد الرحمن الحنطي، وهو رجل معمر كفيف من تلاميذ الشيخ ابن سعدي فجلسنا معه نسأله عن أمور في حياة الشيخ ابن سعدي، فيما يتعلق بعلاقته بأهل بريدة والرياض، وسألناه عن قول الشيخ في التصوير الفتوغرافي فذكر لنا أنه يغلب على ظنه أنّ الشيخ يرى جوازه، ثم ودعناه ووعدناه بزيارة أخرى واستأذناه في أن نقرأ عليه الزاد في مجالس في زيارة قادمة فأذن بذلك.

وبهذا انتهت رحلتنا ورجعنا إلى الرياض
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.

قانون الجذب صورة عصرية لمذهب المعتزلة

 
كثيراً مايمرُّ على دارسي العقيدة في باب القدر أن مذهب أهل السنة في باب القدر أن القدر له مراتب أربع أولها: علم الله، ثانيها: كتابته عز وجلّ، ثالثها: إرادته جلّ شأنه، رابعها: خلقه.
فهم يثبتون أن كلّ مايقع في الكون من الأقدار –خيرها وشرها- قد علمه الله، وكتبه، وأراده، وخلقه.
وتتابع أهل السنة قروناً متطاولة على الرد على مذهب المعتزلة الذين أثبتوا علم الله وكتابته ونفوا خلقه لأفعال العباد، وزعموا أن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه.
ولم يتردد أهل العلم وأئمة الدين في الحكم على مذهب القدرية بالبدعة والضلال، بل حكموا بالكفر على من غلا منهم فنفى علم الله بالأشياء.
وكنتُ كثيراً ما أسائل نفسي عن جدوى دراسة مثل هذا المذهب وأدلة بطلانه ظناً مني أنه قد انقرض منذ أمد ولم أكن أظن أن تقع عيني على أحدٍ يقول به في هذا الزمن .. حتى اطلعت على نشرة “فواصل” عدد 12 بعنوان “قانون الجذب” (*) فهالني ما رأيتُ وكدتُ لا أصدق أن يقول بهذا القول شخص سارت بأشرطته الركبان وملأت أشرطته جنبات تسجيلاتنا الإسلامية بل له شريط في سيرة قامع البدعة وناصر السنة شيخ الإسلام ابن تيمية -أسكنه الرب فراديس الجنان- .. أعدتُ قراءة النشرة مرة تلو أخرى لعلّي أكون قد فهمتُ كلامه على غير وجهه أو لعلي أجد محملاً يؤول به الكلام ... إلا أنني كلما أعدتُ قراءتها ازددتُ يقيناً أنه يتضمن عين مذهب المعتزلة القدرية القائلين بخلق العبد لفعل نفسه -مع الاختلاف في اللفظ دون المضمون- وسأذكر هنا بعض كلامه بنصه ليُعلم أني غير متحاملٍ ولا متكلفٍ في تأويل الكلام ومن أراد أن يقف على عين كلامه فقد ذكرت العدد فليرجع له -مع نصحي له بغض البصر عن صور النساء المعروضات في صفحات النشرة-:
·       قال( لقد سنّ الله سبحانه وتعالى في الكون قوانين مادية ومعنوية ..... ومن هذه القوانين المتقنة ما يسمى بقانون الجذب. إنّ هذا القانون ينص على أن الإنسان يجتذب إليه الأحداث سواء كانت هذه الأحداث إيجابية أو سلبية(2) كل الأحداث.. المال، والغنى، والفقر، والزواج، والطلاق، والأصدقاء والعداوات والصحة والأمراض والجاه والنجاح والفشل والفرص والمصائب والمشاكل والحلول والسلام والحروب والسعادة والتعاسة والطمأنينة والقلق والخير بشكل عام والشر بشكل عام ...)
·       ثم قال يضخم أهمية هذه الفكرة الزائغة: (قد يساوي ثمن قراءتك لهذا الموضوع ثمن حياة سعيدة وناجحة)
·       ثم قال في ثنايا زعمه أنّ هذا القانون لا يخالف الإيمان بالقدر: (إن علماء العقيدة عندما يشرحون القدر يقولون أن(**) الله قد خطّ القدر بعلمه وليس بجبروته وقوته) (3)
·       وقال: (لو كان القدر جبرياً كما تقول طائفة أجمعت الأمة على ضلالها سابقاً تسمى القدرية لما كان من الإنصاف والعدل أصلاً اختبارهم إذ لاحكمة من ذلك
·       وقال: (الواقع أن القدر كُتبَ بعلم الله)
·       وقال -ونعوذ بالله مما قال- : (وقد يتدخل الله سبحانه في مساعدة الخلق في تحقيق الإيمان و النجاحات والسعادة..)
·       وقال: (انطلاقاً من هذا المفهوم نقول أن(**) القدر مكتوب بعلم الله سبحانه..)
هذا بعض ما قاله د. صلاح الراشد، فيا أهل العلم، ويا أهل التوحيد، ويا شُرَّاح الواسطية والحموية والتدمرية والطحاوية، وياحماة العقيدة، أليس هذا هو مذهب المعتزلة؟؟
________________________________
 (*) لن أتعرض هنا لتحريم عرض صور النساء الكاشفات عن شعورهن -وليس وجوههن فحسب- مع احتواء النشرة لهذه الصور -والعياذ بالله- لأن حديثي عن خللٍ أعظم وزللٍ أشنع كما قيل : “حنانيك بعض الشر أهون من بعضِ” مع العلم بأن عرض مثل هذه الصور أو الرضى به دليل رقة في الديانة وعلامة على الشر، والله المستعان.
(1) كذا قال والصواب في اللغة أن يقال سواء إيجابية أم سلبية كما نصّ على ذلك ابن مالك في الألفية فقال:
و”أم” بها اعطف إثر همز التسوية**أو همزة عن لفظ “أي” مغنية
وإن كنا لا نثرب عليه في اللحن النحوي وإنما حديثنا هنا عن اللحن العقدي.
(2) كذا في النشرة والصواب “إن” بكسر الهمزة كما قال ابن مالك في مواضع كسر همزة “إن”:
أو حكيت بالقول أو حلت محل**حال كزرته وإني ذو أمل
وإن كنا لا نثرب عليه في اللحن النحوي وإنما حديثنا هنا عن اللحن العقدي.
(3) وفي نشرة عدد26 نقل عن شيخه العلامة-على حد زعمه-/عليم الدين “وليس بجبروته وقدرته”….
(**) كذا في النشرة والصواب إن ...

ثبت علميًا!!!

الحمد لله وصلى الله وسلم على من نسخ الله بدينه الأديان، وأتم به النعمة على العباد، أما بعد:
فقد حذرنا الله في محكم كتابه من كيد الشيطان، وأمرنا بالاستعاذة منه، وحكى لنا قسمه ﴿فبعزتك لأغوينهم أجمعين﴾.
وما زال الشيطان الرجيم يجدد في أسلوبه وينوع في طريقته لإضلال الخلق، ومن آخر تقليعاته، وجديد تلبيساته طريقة “ثبت علمياً…” وهي طريقة إلباس الشرك الأكبر أو الشرك الأصغر أو البدعة أو المعصية لباس العلم والتقنية وأن نفعها قد ثبت بالتجربة، وبالدراسات العلمية، وكثيراً ما ينطلي ذلك على جهلة الخلق وعوامهم، وفسقتهم ومغفليهم، لكن العجب أن ينطليَ ذلك على من عندهم من العلم الشرعي نصيب وافر، ومن يحملون في العلوم الشرعية شهادات وألقاب علمية عالية، فهذا هو العجب.!
فبالأمس أغرى الشيطان رجلاً ليعلّق “حلقة من الصفر لدفع الواهنة” فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال (انزعها فإنها لاتزيدك إلا وهنا، أما اليوم فقد “ثبت علمياً!” أن لـ”سوار النحاس” [وليس حلقة الصُفْر] أثراً في علاج الروماتيزم أو السمنة [وليس الواهنة]!!…فما الفرق؟ الفرق أنه قد “ثبت علمياً”!!
بالأمس أغرى الشيطان المشركين فعلّقوا أسلحتهم على شجرة ” ذات أنواط” معتقدين أنها تكسبهم البركة ، أما اليوم فقد قال لهم (شجرة الطاقة [وليس شجرة ذات أنواط!] التي فقط تجلس بقربها [ولا تعلق عليها سلاحك!] وتقوم بطاقتها غير المشاهدة [وليس ببركتها!] بشفط الجزيئات الحرة والسامة من الجسم وإرسال الطاقة الإيجابية! [وليس هذا تبركاً!]) فما الفرق؟ الفرق أنه قد “ثبت علمياً”!
بالأمس أغرى الشيطان المعتزلة ليقولوا (إن العبد يخلق فعل نفسه) فتتابع أهل العلم في الرد عليهم، أما اليوم فقد “ثبت علمياً” وفق قانون الجذب! (أن الإنسان يجتذب إليه الأحداث سواء كانت هذه الأحداث إيجابية أو سلبية.. كل الأحداث.. المال، والغنى، والفقر، والزواج، والطلاق، والأصدقاء والعداوات والصحة والأمراض والجاه والنجاح والفشل والفرص والمصائب والمشاكل والحلول والسلام والحروب والسعادة والتعاسة والطمأنينة والقلق والخير بشكل عام والشر بشكل عام..) (وقد يتدخل الله سبحانه في مساعدة الخلق في تحقيق الإيمان و النجاحات والسعادة) فما الفرق؟ الفرق أن قد “ثبت علمياً..
وهكذا يبث الشيطان سموم الشرك والوثنية والبدعة والمعصية بطريقة “ثبت علمياً”، وإذا تجرأ عدوٌ من أعداء الشيطان ليقول: (كيف ثبت؟) (ومن الذي أثبت؟) فإنه سيتهم بالتخلف والجمود والخوف من الجديد والجهل بالحقائق العلمية، وربما كان الجواب (أثبتت الدراسات الحديثة) أو (أثبت طبيب ألماني في جامعة dljn) أو (أثبت الفلكي البريطاني xliktig) أو (في معهد c.u.w أجريت دراسة حول… إلخ)، ولا يحق لإنسان أن تسول له نفسه أن يشكك في شيء من هذه الدراسات لأنه قد “ثبت علمياً” سواء عرفت ترجمة ذلك العالم الشهير! أم لم تعرف فقد “ثبت علمياً” سواء عرفت معهد الدراسات الكبير! أم لم تعرف.
وليعلم أن كثير مما يدعى ثبوته علمياً إنما هو ضرب من الخزعبلات والخيالات والسخف الذي لم يثبت “عقليا” ولا “علميا” ولا “تجريبياً” ولا “شرعياً”
فتنبهوا معاشر المسلمين من كيد الكائدين ومكر الماكرين، (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معادلات أصول الفقه بين الإفراط والتفريط

عندما كنت صغيرا سألني صديقي عبد الرحمن فقال:
شجرة عليها 10 عصافير، رمي عصفوران منها بالبندقية فماتا، كم بقي على الشجرة؟
كان جوابي بسرعة أحسبها إذ ذاك سرعة بديهة: 8 عصافير.
فقال عبد الرحمن: خطأ. لا يبقى على الشجرة أي عصفور، لأنّها ستطير هربًا.
تذكرتُ تلك العصافير حينما جرّدتُ قلمي بل لوحة مفاتيحي لكتابة هذا الموضوع.
مهلا…
ما علاقة العصافير بأصول الفقه؟ وما علاقتها بالمعادلات؟
الجواب بكل بساطة:
عندما تأملتُ في تعامل الناس مع هذا العلم التطبيقي، إذا بهم في طرفي نقيض..
·       فطائفة تتعامل مع قواعد أصول الفقه بنفس تعامل عامر –في صغره- مع مسألة العصافير وهو تعاملٌ سطحيٌّ غير مسدد.
·       وطائفة تهمل أصول الفقه بالكلية وتتعامل مع مسائل الفقه مسألةً مسألةً بحسب ما يظهر له في كل مسألة بحسبها وحسب ما يحتف بها من الأدلة والقرائن –دون قواعد أصوليّة واضحة مطردة-.
وكلا طرفي قصدِ الأمور ذميمُ.
فليس من السداد أن نتعامل مع القواعد الأصولية على شكل معادلات رياضية لا تقبل الاستثناء إلا بنص صحيح صريح فصيح… إلخ، ونتعامل معها كتعامل عامر مع العصافير.
إذ لا بد من إعمال القرائن وما يحتفُّ بالمسألة..
فمثلا عندما نقول : إنّ الأمر يفيد الوجوب إلا بدليل، لا يعني هذا أننا نحتاج لصرفه عن الوجوب إلى قول الشارع: (إن هذا الفعل ليس بواجب عليكم) أو إلى نصٍّ صريح لا يقبل الاحتمال، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الأمر يحتمل الخصوصيّة، ويحتمل تقدمه على الأمر، ويحتمل تخصيص تلك الصورة بعدم الوجوب دون غيرها، ويحتمل صرف الأمر عن الوجوب…إلخ… والناظر لا بدّ أن يعمل فكره في كل مسألة ليقوّي أحد تلك الاحتمالات…. وهذا النظر في كل مسألة قد يُخرجه عن حروف القاعدة والاطراد الجامد عليها.
ومثلا عندما يقول قائل: إنّ قول الصحابي ليس بحجّةٍ لا يعني أبدًا أنّ قول الصحابي = صفر. في المعادلة الأصولية… بل قد يحتجُّ صاحب ذاك التقعيد بقول صحابي احتفت به قرائن لا تقوى آحادها على الاحتجاج.
فإذا قلنا في المعادلة الأصولية –افتراضًا- : إن الحجة لا تحصل إلا بدليل يحصل على تقدير لا يقلُّ عن 70% أو 80% في ميزان الاحتجاج؛ فإنّ هذا لا يعني بحال أنّ الدليل الذي يحصل على تقدير 65% = صفر في ميزان الحجة؛ بل لا بدّ أن يكون في الاعتبار ولو لم يكن حجّة في ذاته، ولهذا أمثلة أخرى:
فمثلا: الحديث الضعيف ليس بحجّة عند جماعة ، لكنّ هذا لا يعني أبدًا أبدًا أبدًا مساواته بالموضوع وإعطاؤه درجة 0%، بل –على سبيل الافتراض المحض- قد يكون الحديث الضعيف –بمفرده- مع حديث ضعيف آخر مع ثالث مع عاشر مع خمسمائة كلها محكوم عليها بالضعف في أفرادها = حديث متواتر قطعي الثبوت يفيد العلم اليقيني.
وكذلك قل في مباحث الدلالات كالمفهوم ، وكذلك القياس وغيرها من الأدلة والدلالات المختلف فيها.
بل إنّ ما هو متفق على عدم الاحتجاج به كقول العالم المجتهد الواحد قد يكون جزءًا من الحجة في صورة الإجماع –لا سيّما مع قلّة المجتهدين- بل قد يكون هو الحجّة في صورة ما لو لم يكن في العصر إلا مجتهد واحد –على قول-، ولستُ هنا في مقام بحث لمسألة اشتراط المستند في الإجماع.
وفي الجانب الآخر فإنّ إهمال القواعد الأصولية والاقتصار على النظر في المسائل مسألةً مسألةً مسلكٌ غير سديد يؤدي إلى اضطراب كبير وخللٍ غير يسير.
فتارة يحكم بالمفهوم، وتارة لا
وتارة يجعل الأمر للوجوب وتارة لا
وتارة يحتج بقول الصحابي وتارة لا
إلخ التنقضات التي تستند إلى “دليل ينقدح في ذهنه يعجز عن التعبير عنه”.
والأمثلة لكلا الطرفين غير متناهية، وأحسب أنّ المقصود اتضح؛ فلا حاجة إلى التطويل أترككم للتأمّل.
والسلام عليكم.

مشاريع مقترحة لخدمة متن فقهي (زاد المستقنع نموذجًا)

 
الحمد لله حمداً لا ينفد أفضل ما ينبغي أن يحمد، وصلى الله وسلم على أفضل المصطفين محمد وعلى آله وأصحابه ومن تعبد، أما بعد:
فلا يخفى على حنبليٍّ ما تبوأه (زاد المستقنع) من منزلة منيفة بين السادة الحنابلة المتأخرين -رفع الله منازلهم في الدارين-

فلا يحصى كم حفظه من الطلاب، وكم شرحه من المشايخ والمعلمين،

ومما زاده شهرة ونفعاً أن شرحه الشيخ العلامة شارح المنتهى والإقناع (شيخ المذهب)/ منصور البهوتي.

ومع هذه المكانة التي لمتن الزاد إلا أنه لا زال مجالاً خصباً لعدد من المشاريع التي يمكن أن تخدمه وتعين على الاستفادة منه، فمن ذلك:

1-جمع المسائل التي خالف فيها المذهب عند المتأخرين، وقد حصرها الشيخ علي الهندي -رحمه الله- في 32 مسألة، وزاد عليه سلطان العيد حتى أوصلها إلى مائة، وقد بلغني أن الشيخ سامي الصقير أوصلها إلى 150، فيمكن أن تجمع هذه المسائل، وتحقق من حيث النظر في مدى موافقتها للمذهب بالرجوع إلى المنتهى والإقناع وغيرهما

2-عدُّ مسائله بالمنطوق، حيث اختلف مشايخنا في عدد مسائله، فمن الجميل أن يخرج الزاد في طبعة مرقمة المسائل يعرف من خلالها عدد مسائله،
وينتبه هنا إلى أن عد المسائل قد يختلف لاختلاف طريقة العد فمنهم -مثلاً- من يعد أركان الصلاة مسألة واحدة، ومنهم من يعدها أربعة عشر مسألة باعتبار كل ركن مسألة، ولعل الطريقة الثانية أدق، والله أعلم.

3-عدُّ مسائله بالمفهوم، وهذا أصعب من الأول لأنه يحتاج إلى فهم عميق دقيق لعبارات المؤلف.

4-حاشية على الزاد متخصصة في ذكر روايات المذهب في كل مسألة بالرجوع إلى الإنصاف وغيره، فتوضع كل مسألة وتحصر جميع الروايات والأوجه فيها، فيقال مثلاً، قوله: (وإن حال دونه غيم أو قتر فظاهر المذهب يجب صومه) فيها سبعة روايات الأولى كذا والثانية كذا...إلخ...... مرقمة ومرتبة.

5-حاشية تبين المذاهب الأربعة في كل مسألة، فيقال قوله (كذا....) وفاقاً للحنفية [مع ذكر المصدر]، وخالف في هذا المالكية والشافعية ، فقال المالكية..... [مع المصدر بالجزء والصفحة]، وقال الشافعية......

6-شرح موسع على غرار الشرح الكبير،

7-جمع التقاسيم الموجودة في متن الزاد مفهوماً ومنطوقاً ويمكن أن ترسم على شكر تشجير (قد بدأت في هذا المشروع وأنهيت العبادات والنكاح، والجنايات، وجزء كبير من المعاملات) وأسأل الله أن ييسر الباقي.

8-جمع اصطلاحات المؤلف ودراستها:مثل اصطلاحاته في حكاية الخلاف (ولو) (وإن) (حتى) (ولا يشترط) (لا)،
وقد اشتهر عند طلبة العلم أن (ولو) (وإن) (حتى) تفيد الخلاف واختلفوا في تحديد ما الذي يفيد الخلاف القوي منها وما الذي يفيد الخلاف الضعيف، وهذا محل نظر نبه إليه الشيخ بكر في مدخله
وقد جمعت شيئاً في هذا لكنه يحتاج إلى دراسة وتحقيق المواضع التي فيها الخلاف من غيرها، وقوة الخلاف، وبيان ماكان خلافاً في المذهب وما كان خلافاً خارج المذهب، أسأل الله التيسير

9-المسائل التي تفرد بها صاحب الزاد ولم تذكر في غيره من كتب المذهب، وقد وقفت على أكثر من مسألة من هذا النوع.

10-البحث عن أفضل نظم للزاد وتحقيقه وإخراجه مشكولاً مع تعديل ما يحتاج إلى تعديل من الأبيات، ومن أحسنها في نظري: نظم المزيني مع أنه لم يستوف جميع المسائل
ويمكن في هذا الاستعانة بعد الله بأهل النظم في تعديل بعض الأبيات التي وقع فيها كسر أو ضرورة غير سائغة أو نحو ذلك إما بسبب الخطأ في الطباعة أو من الناظم نفسه رحمه الله
 على غرار عمل الشيخ الحكمي في المتون التي أخرجها

11-دراسة أمثلة المؤلف وبيان دلالاتها، فالمؤلف أحياناً يذكر أمثلة منتقاة يقصد بها التقسيم أو معنى زائداً على مجرد التمثيل.

12-جمع واسيعاب أدلة مسائل الزاد.

13-جمع المسائل التي صرفها البهوتي في شرحه عن ظاهر ما أراده الحجاوي.

14-العبارات المنتقدة على الكتاب، ويمكن الاستفادة في هذا من شرح الشيخ العثيمين حيث إنه ينبه أحيانا إلى أن عبارة المتن منتقدة وربما يقترح كلمة بدل كلمة، أو جملة بدلا من جملة

15- دراسة في مقارنة متن الزاد بالمقنع، ويستفاد في هذا مماكتبه الشيخ علي العسكر

16-حاشية على الزاد تبين المسائل التي عدت من مفردات المذهب.

17-حاشية على الزاد تبين المسائل التي حكي الإجماع عليها.

18-المسائل التي اختلف فيها قول الحجاوي في الإقناع عن قوله في الزاد

19-إقامة دورات مكثفة في حفظ الزاد مع شرحه: مثلا دورة صيفية خلال شهرين يجمع فيها بين الحفظ والشرح، فمثلا: في كل يوم حفظ 3-4صفحات


هذه بعض المشاريع التي دارت في خلدي ودونتها لعل الله أن ينفع بها
مع اعترافي بأن بعض المشاريع أقل أهمية من بعض
وكثير منها يصلح للزاد وغيره من المتون
وبعضها قد يكون قد كُتِب فيه.
ومن المفيد في هذا الموضوع:
كتاب (المدخل إلى زاد المستقنع) لسلطان العيد
وبلغني أن الشيخ عبد الله الشمراني قد أعد كتاباً بنفس العنوان
والله الموفق.


(مقال قديم كتبته في ملتقى أهل الحديث ونشرته هنا)

بين ابن قدامة والحجاوي- نموذج لتجديد الكتاب الفقهي

 
(أما بعدُ:
فهذا مختصر في الفقه من مقنع الإمام الموفق أبي محمد على قول واحد وهو الراجح في مذهب أحمد، وربما حذفتُ منه مسائل نادرة الوقوع، وزدتُ ما على مثله يُعتمَد؛ إذ الهمم قد قصرت، والأسباب المثبطة عن نيل المراد قد كثرت.)
بهذه الكلمات بدأ الحجاويّ كتابه الشهير "زاد المستقنع" مبررًا ذلك التغيير للأسلوب والمضمون الفقهي لـ"المقنع".
لقد أدرك الحجاوي أنّ ما كتبه أسلافه ليس قرآنًا لا يجوز العدول عنه، ولا مصحفًا يجب التقيّد بحروفه، وأدرك حاجة عصره إلى تجديدٍ في الأسلوب والصياغة بل والمسائل الفقهية التي تُذكر في الكتاب، (فربما حذفتُ منه مسائل نادرة الوقوع وزدتُ ما على مثله يُعتمد).
رغم أنّ الاختلافات بين عصر ابن قدامة والحجاوي ليست بتلك الضخامة ولا بذلك التباين كما بين عصرنا والحجاويّ، بل ربما في 10 سنوات من زماننا يجري فيها من المتغيرات والمستجدات التي لم يحصل عُشرها في المدة بين زمن ابن قدامة والحجاوي، ومع هذا فقد غدت بعض مسائل المقنع (نادرة الوقوع)، لا يحسنُ إيرادها في المتون الفقهية.
وهذا الذي فعله الحجاويّ هو الدور الحقيقي للعالم : أن يقدّم العلم الشرعي بلغة قومه وصياغة عصره، (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيّن لهم)، والعلماء ورثة الأنبياء.
بل إنّ الحجاوي مع التزامه بمذهب أحمد قد خرج عن المعتمد من المذهب وبرر ذلك في قوله: (ولا يشترط كون البذر من رب الأرض وعليه عمل الناس)، لقد أدرك الحجاوي أنّه ليس من المناسب أن يقدّم للناس فقهًا لا يُعمل به، ونظرياتٍ غير قابلة للتطبيق أو لا علاقة لها بواقع الناس.
إنّ الحجاوي حينما ألّف الزاد لم يلغِ به جهد الموفّق، ولم يدعُ إلى الاستغناء عن كتب السابقين -وإنْ كان قد حصل من الناس شيءٌ من هذا-.
وتوفي الحجاوي في عام 960هـ وجاء بعده مرعي الكرمي فأخذ كتابي الإقناع للحجاوي، والمنتهى لابن النجار فأضاف عليها تخريجات وتوجيهات لم يذكراها، ووجد في كتب المذهب ثغرات ومسائل لم تذكر لا بدّ من سدّها والاجتهاد فيها.
وتوفي مرعي ومضى على وفاته 400سنة، استجدّت فيها مستجدّات لا تحصى عددًا، ونزلت نوازل لا تحصر كثرةً، والناسُ ينتظرون ذلك العالم الذي يصوغ لهم متنًا فقهيًا يلامس حياتهم، ويحكم على واقعاتهم!.
ولكن الانتظار طال وطال وطال، والناس لا يكادون يجدون سوى فتاوى متفرقة وسؤالات متناثرة يعسر جمعها في سياق واحد، حتى أصبح الطور الفقهي الذي نعيشه يشبه بدايات تاريخ الفقه حينما كان الفقه متناثرًا في كتب السؤالات والمسائل، وعدنا إلى زمن ما قبل الخلال والخرقي وأبي يعلى –من هذه الحيثية-.
وما زال المتفقّه المبتدئ يقرأ ويحفظ زاد المستقنع أو دليل الطالب، فيمتلئ ذهنه من عشرات أو مئات المسائل التي لا تمتّ للواقع المعاصر بأي صلة، في حين أنّ ذهنه خليٌّ من جلّ المسائل الواقعية المتكررة.
فيا فقهاء الأمّة ويا مجامع العصر هل من مشمّر لكتابة متنٍ فقهيٍّ يلامس حياة الناس وواقعهم يحذف (منه مسائل نادرة الوقوع ويزيد ما على مثله يُعتمَد) ويسدّ الفراغ الفقهي الحاصل؟؟.
عسى أن يكون قريبًا.
عامر بن محمد بهجت
المحاضر بالمعهد العالي للأئمة والخطباء - جامعة طيبة بالمدينة النبوية
14/ربيع الأول/ 1430هـ - المدينة

الكتاب الفقهي العصري- عوائق وحلول

في مقال "بين ابن قدامة والحجاوي" دعوتُ إلى كتابة متن فقهي يناسب العصر: تحذف منه مسائل يندر وقوعها ويزاد فيه مستجدات يكثر وقوعها والسؤال عنها
وقد كنتُ أثناء تلك الكتابة أدرك صعوبة ذلك المشروع، وكثرة عوائقه، وفي هذه الكتابة الموجزة أقف مع بعض تلك العوائق مقترحا بعض الحلول لتجاوزها:

العائق الأول: الكاتب.!
فمن لنا بمثل ابن قدامة أو الحجاوي ليكتب لنا ما رمتَ إليه!
وأين الفقيه المؤهل لكتابة ذلك الجامع بين العلم بالواقع والفقه في النوازل والقدرة على تخريجها على مذهبه أو الترجيح فيها استقلالا!؟
والحقيقة أن هذه النظرة التشاؤمية إلى العصر لم تكن وليدة عصرنا، بل لم يرض عالم ولا غيره عن عصره الذي عاش فيه، ولا عن أهله.
ويمكن تجاوز إشكالية الكاتب للمتن بأن يكون تأليفه جماعيا لا فرديا: بحيث تحصل الأهلية المطلوبة بمجموع الكتبة ويغطي كل منهم قصور غيره، وللتأليف الجماعي صور منها:
1.   أن يكتب كلٌ الكتاب باباً باباً ثم يجتمعون للمناقشة في الصياغة النهائية.
2.   أن يوكل كتابة كل باب إلى مختص أو عدة مختصين في ذلك الباب، ثم تقوم لجنة بصياغة ذلك والتأليف بينه في كتاب واحد.
ويمكن بعد ذلك طرح نسخة من المتن على الإنترنت للنقاش حولها و الإضافة والحذف من قبل كل متخصص في الفقه ليستفاد من كل من يمكنه الإفادة، ثم بعد مدة كافية ينظر في تلك الإضافات والتعديلات والانتقادات لإقرارها أو تجاهلها.
ومما يعين على ذلك أن تتبنى هذا المشروع جهة علمية لديها القدرة على تكليف الباحثين، واستكتاب العلماء، والتنسيق بينهم.
أو ينبري ثري أو وجيه أو سلطان لرصد جائزة أو جوائز ويعلن عنها قبل مدة كافية كسنة أو سنتين ليتقدّم الفقهاء والكتاب بمتونهم للمشاركة في المسابقة.

العائق الثاني: المذهب والاختيار.
على أي مذهب يكون المتن؟ وما المعتمد في المسائل الخلافية؟
ويمكن تجاوز هذا العائق بتنوع الكتابات، وتعدد الكتّاب... فالحنفية يكتبون والمالكية يكتبون والشافعية والحنابلة.. كل منهم تخريجا على قواعد وفروع مذاهبهم.
ومن يرى أن الأولى الكتابة على القول المختار عند شخص حقيقي أو اعتباريواا من غير تقيّد بمذهب من الأربعة فليكتب على تلك الطريقة.
ومن خلال التنوع والتعدد ستنتج ثروة علمية تجعل للدارسين والمدرسين خيارات ليتخير كل ما يناسبه.
ويرد هنا إشكال آخر وهو: من الذي له شهرة تجعل تخريجه على مذهبه أو ترجيحه المستقل مقبول عند أهل العصر؟
وهذا الإشكال وارد على كل من كتب من السابقين وتعرض لأي مسألة لم يتعرض لها من سبقه.. والكتاب هو الذي يفرض نفسه أو يقتلها في مهدها... فكم من كتبٍ لا تعلم تراجم أصحابها اعتمدها العلماء ودرّسوها وشرحوها..
وأما الطريقة الأخرى وهي السير على القول المختار لجهة أو شخص، فيمكن تطبيقها بشكل أكثر سهولة من خلال جمع فتاوى عالم معاصر ثم تلخيصها ثم صياغتها على صورة متن فقهي، ويمكن في سبيل ذلك الاستفادة من الكتب التي جمعت آراء واختيارات بعض فقهاء العصر كابن عثيمين وغيره.
وممن بدأ في هذا الطريق الشيخ وليد السعيدان بتلخيص فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فلو أتمّها وانبرى هو أو غيره لصياغتها في متن لكان متنا مقربا لفقه اللجنة... ويمكن أن يزاد عليها بعض المسائل التي لم ترد إما بتوجيه الأسئلة لهم أو بتخريجها على أجوبتهم أو بإضافتها من فتاوى أفراد أو هيئات أخرى مع ضرورة تمييز بعضها عن بعض.

العائق الثالث: صعوبة التعامل مع المسائل المعاصرة.
وسبب ذلك إما قلة أو انعدام الكتب في بعض المسائل المعاصرة، وربما احتاج الماتن إلى أن يبحث شهرا ليثبت في متنه سطرا لأنه لن يثبت إلا عن ترجيح أو تخريج وكلاهما ليس بالأمر السهل.
ويمكن للماتن إذا لم يتوصل لترجيح أو تخريج ظاهر للمسألة أن يلجأ إلى ذكر الاختلاف أو الاحتمال كما في مقنع الإمام الموفق.
فيقول –مثلا-: ( ويجوز التشقير على أحد القولين).
أو (وهل يجوز التشقير؟ فيه احتمالان) أو (فيه قولان) ونحو ذلك مما يشير فيه إلى المسألة من غير جزم، ليترك الترجيح لمن بعده من الشرّاح أو من المصححين، فكما جاء بعد ابن قدامة من نقّح وصحح مقنعه فلعله يأتي بعدك من ينقح ويصحح.

العائق الرابع: تجدد المسائل العصرية.
إن المستجدات والنوازل لم ولن تقف في ظني إلا بقيام الساعة.
فكيف يمكن أن يكتب متن يجمع بين دفتيه المستجدات؟
والحقيقة أنه لا يمكن جمع المستجدات إلا أنه يمكن أن يوضع في الكتاب مهمات المسائل، وأقترح لتجاوز هذا العائق: أن يكون ذلك المتن متجددا تصدر طبعته الجديدة في كل عام مرة أو مرتين، وتكون كل طبعة مزيدة ومنقحة يزاد فيها ما استجد واحتيج إليه، ويحذف منها ما اندرس أو قل وقوعه.
ومن الوسائل لتجاوز هذا العائق: أن يكون لذلك المتن موقع إلكتروني على الإنترنت يحدّث بشكل يومي أو أسبوعي أو شهري... وهذا أيسر من الطباعة وتكاليفها.

هذه أبرز العوائق التي وردت أو أوردت علي، والعمل العلمي على قدر نفعه وأهميته تزداد صعوباته وعوائقه.

كتبه/ عامر بن محمد بهجت
المحاضر بالمعهد العالي للأئمة والخطباء بجامعة طيبة بالمدينة النبوية

مع شيخ الحنابلة عبد الله بن عقيل


مع علم من أعلام الأمة
مع عالم من علمائها
عالم مربٍّ قل نظيره
مع شيخ الحنابلة / عبد الله بن عقيل
اللهم اشفه وعافه

المجمع الفقهي الإلكتروني


أهمية الاجتهاد الجماعي صارت من القضايا المتفق عليها بين الناس، غير أنّ حقيقة الاجتهاد الجماعي انحصرت عند كثير من الناس في مؤسسة حكومية أو شبه حكومية تجتمع في قاعة لتناقش بعض القضايا النازلة ثم تُصدر فيها قرارًا جماعيًا.. والحقيقة أنّ الاجتهاد الجماعي أعم من ذلك التصوّر، فإنّ العالم قد يؤلف كتابًا في نازلة ثم يعرض كتابه على أهل العلم فيؤيدونه ويقرظونه ليصبح مضمون ذلك الكتاب اجتهادًا جماعيًا، وربما يفتي العالم بفتوى فيرد عليه جماعة من العلماء فيكون رد تلك الفتوى اجتهادًا جماعيًا...إلى آخر تلك الصور التي يتحقق فيها معنى الاجتهاد الجماعي.
وأحسب أن تلك الصور لا يمكن أن تحصر بأداة معينة ولا شكل محدد... فإن اجتماع الفقهاء وجهًا لوجه تحت سقف واحد ـ مع ما فيها من مزايا ـ قد يكون مكلفًا ومتكلّفًا.
• لأن أولئك الفقهاء قد يحتاجون إلى غرف فاخرة في أرقى الفنادق، وقاعة واسعة في أرقى القصور.
• وسيكون الوقت محصورًا محددًا ربما يضيق عمّا في نفوسهم من النقاش والاستدلال في المسألة، وكم من عالم لا يظهر له وجه المسألة إلا بعد انقضاء مجلس النقاش بأيام.
• كما أن طبيعة تلك الجلسات فيها نوع من الحزم الذي قد يفوّت شيئًا من الفوائد.
• إضافة إلى أنّ تلك الاجتماعات قد تحرمُ الأمة من حضور بعض العلماء فيها لأي سبب كان، كما حكي من منع فلان من دخول البلد الفلاني للمشاركة في دورة المجمع الفلاني!.
• وربما حرصت بعض تلك المجامع أو اضطرت إلى استضافة أصحاب المعالي والوجهاء أكثر من حرصها على الخاملين من العلماء.
• كما أن في مشاركة المرأة الفقيهة في تلك المجامع نوع صعوبة وحرج؛ لمشقة السفر عليها وعلى محرمها، وحصول الإشكال والخلاف في مكان وجودها في ذلك الاجتماع.
• علاوة على أنّ الفقيه المغترب عن بلده قد لا يحصل له من اجتماع الفكرة وحضور الذهن ما يحصل لمن كان في بلده بين كتبه ومصنفاته.
هذا وغيره من الأسباب يستدعي من أهل الشأن أن ينظروا في طرق أخرى للاجتهاد الجماعي -إضافية لا بديلة -.
وأحسب أن من هذه الطرق: المجمع الفقهي الإلكتروني، الذي يتجاوز كثيرا من تلك الإشكالات الزمانية والمكانية والمالية وزاد بعضهم: (والسياسية).
وأزعم أن هذا ليس اقتراحًا متكلفًا أملاه مجردُ الرغبة في مسايرة الواقع المعاصر المتطوّر! الذي غلبت عليه التقنية في جل مجالات الحياة.
فما هو المجمع الفقهي الإلكتروني ؟ وكيف يمكن تطبيقه في الواقع؟ وكيف يتكوّن أعضاؤه؟ ومن الذي يرشحهم؟ أترككم لتجدوا وقتًا للتأمل والتفكير منتظرًا اقتراحاتكم وآراءكم حوله.

كتبه/ عامر بن محمد بهجت
محاضر الفقه وعلومه بجامعة طيبة والجامعة الإسلامية - بالمدينة النبوية