نوافذ تابعة

الجمعة، 18 فبراير 2011

زيارة للقصيم

 
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعدُ:
فقد وفقني الله لزيارة القصيم في يوم الثلاثاء 8/محرم/1427هـ، وتشرفت بلقاء عدد من أهل العلم المعمرين، فأحببت أن أكتب مشاهداتي لعل الله أن ينفع بها، فأقول:
بعد رحلة دامت 3ساعات وصلنا إلى بريدة من الرياض، وقد كان وصولنا إليها وقت أذان المغرب، فصلينا المغرب مع الشيخ عبد الله بن محمد الصالح المطوع في مسجد السوق "سوق الخضرة"، وقد كان المصلون في المسجد قرابة 7صفوف، وكان الشيخ يصلي من غير مكبر صوت.
بعد صلاة المغرب سألنا: (هل يجلس الشيخ العليط للإقراء؟) فقيل لنا (إنه يجلس بعد العشاء) فخرجنا من المسجد متوجهين إلى الجامع الكبير ببريدة فصلينا فيه ثم جلسنا في مجلس إمامه الشيخ/ عبد الله القرعاوي، وهو شيخ مهيب، وكان له مجلس إقراء، يحضره 4طلاب، يقرؤون في حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم، وفي فتاوى ابن تيمية وطريقة الشيخ في الإقراء[في ذلك المجلس] أنه يستمع لقراءة الطلاب فإذا أخطأ الطالب صحح له الشيخ قراءته ولم نسمع منه تعليقاً ولا شرحاً مدة جلوسنا قرابة (ربع ساعة) استأذنا بعد ذلك من الشيخ لننصرف فأشار إلينا بالإذن بابتسامة أذهبت عنا عناء السفر،
فخرجنا من عنده متوجهين إلى بيت الشيخ/ عبد الله بن محمد الحسين أبا الخيل وهو شيخ حنبلي فقيه زاهد، فعدناه -حيث إنه كان مريضاً- مكثنا عنده قرابة العشر دقائق سألناه عن صحته وعن والده الشيخ العلامة محمد الحسين صاحب كتاب الزوائد في الفقه الحنبلي،
خرجنا من عنده قبيل أذان العشاء فتوجهنا إلى مسجد الشيخ علي المشيقح وهو واعظ سريع الدمعة رقيق القلب -نحسبه كذلك-، فانتظرنا في المسجد ولم يكن فيه سوى ما يقارب العشرة أو أكثر بقليل حتى أقبل الشيخ وبرفقته خادم له يحمل الكتاب ملفوفاً بقطعة من القماش فجلس الشيخ وأعطى الخادم أعواد البخور وأخذ منه الكتاب ثم جلس وبدأ يقرأ من الكتاب [أظنه البداية والنهاية لابن كثير] وكان يقرأ في قصة الإسراء والمعراج ويتخلل قراءته تعليق ووعظ وإرشاد ممزوجة بالدموع والعبرات وكان يتكلم بلهجة قصيمية صرفة ، فلما انتهى من القراءة أغلق الكتاب وحث على مجالس الذكر ، بعد ذلك قال -بلهجة القصيم-: (دعونا نطرق باب الحي القيوم) فبدأ يدعو بتضرع ودموع، ثم أقيمت الصلاة فصلى الشيخ بنا.
بعد ذلك انطلقنا إلى مجلس السوق لندرك القراءة على الشيخ العليّط فوجدنا المسجد قد أغلق، فيممنا جهة مكتبة المجتمع في بريدة، ثم ذهبنا إلى قصر العزيزية في الأفراح حيث كنا مدعوين لحضور عرس أحد الإخوة من طلبة العلم، فلم تصل الساعة إلى العاشرة حتى خرج العروسين ولم تكد عقارب الساعة تصل إلى العاشرة والنصف حتى لم يعد في القصر أحد من المدعوين.
بتنا تلك الليلة فلما أصبحنا توجهنا إلى مسجد السوق وصلينا فيه الفجر خلف الشيخ المطوع، بعد الصلاة بدأ طلاب الشيخ يقرؤون عليه فمنهم من يسمّع شيئاً من القرآن ومنهم من يقرأ في تفسير ابن كثير ومنهم من يقرأ في صحيح البخاري والشيخ يعلّق تعليقات يسيرة على قراءة القارئ تتضمن مواعظ وإرشادات وتذكير بحقارة الدنيا، العجيب أن عدداً طلاب الشيخ تتجاوز أعمارهم الستين -فيما يظهر- وبعضهم قد انحنى ظهره وشابت لحيته ولازال يحمل كتابه كل صباح ليقرأ على الشيخ.
جلسنا في مجلس الشيخ وتشرفت بقراءة كتاب الرقاق من مختصر البخاري على الشيخ وكانت تعليقاته القليلة في الوعظ والزهد تكاد تنسي الإنسان دنياه، والشيوخ حوله يتأثرون بتعليقاته ويرفعون أصواتهم بالتهليل والتكبير.
وكان الشيخ العليّط في هذه اللحظات جالساً بيده المصحف يقرأ حتى طلعت الشمس لم يفارق مجلسه ثم قام فصلى ركعتين ثم خرج من المسجد ثم عاد وجلس للإقراء، والشيخ من زهاد الأمة الذين قلّ أن يوجد له نظير، إذا رأيته تظنه رجل قد جاء من الآخرة وهو صاحب علم وخشية فيما نحسب، جلس يقرئ ويعلّق على القراءة تعليقات نفيسة إلا أن صوته منخفض وغامض لايكاد يُسمع ولايُفهم، وقد قرأت عليه شيئاً من كتاب الطب من مختصر البخاري.
ثم انصرفنا ونمنا القائلة، فلما أذن الظهر توجهنا إلى مسجد الشيخ فهد التركي وهو من طلبة العلم الزهاد فصلينا خلفه الظهر وكانت صلاته طويلة تذكر بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر، فلما قضيت الصلاة جلس يذكر الله ثم صلى الراتبة وجلس في وسط المسجد فجاءه طالبان فقرأ أحدهم شيئاً من الواسطية وشرح الشيخ له شرحاً متوسطاً بين الطويل والقصير، بعد الدرس سألناه عن المشايخ المعمرين في القصيم فأخذ يحدثنا عن سيرة الشيخ العليّط وذكر من زهده وخشيته وعبادته شيئاً ثم ذكر لنا الشيخ(صالح الرشيد) وذكر لنا طرفاً من عبادته وزهده وورعه وكراماته، وذكر لنا الشيخ (إبراهيم العمر) وأثنى عليه خيرا، ثم ذكر لنا (الشيخ علي بن إبراهيم المشيقح) وأثنى على فقهه وعلمه وذكر أن عمره يجاوز التسعين وأنه غير معروف عند طلبة العلم الشباب مع أنه عالم جليل لاسيما في فقه الحنابلة.
بعد ذلك خرجنا من عند الشيخ فهد متوجهين إلى جامع الخبيبية حيث الشيخ إبراهيم العمر والشيخ صالح الرشيد، لكن لم نجدهما لأنه ليس وقت صلاة فسألنا عن دروسهما فأخبرنا أن للشيخ إبراهيم درس بعد المغرب في الدرر السنية، وكتب أخرى لكن لم يتيسر لنا رؤيته ولا حضور درسه لارتباطنا بمواعيد أخرى، جلسنا قليلاً في مكتبة (جامع الخبيبية) وهي مكتبة صغيرة وغير مرتبة.
ثم انطلقنا إلى مسجد الشيخ علي بن إبراهيم المشيقح القاضي الفقيه وهو غير الشيخ علي المشيقح الواعظ الذي ذكر آنفاً.
صلينا العصر ثم جلسنا مع الشيخ علي وأخذ يحدثنا عن مؤلفاته وذكر أن له نظماً في العقيدة يقع في (15) ألف بيت فسألناه هل يمكن أن نقرأ عليه شيئاً من زاد المستقنع فاعتذر وقال لايقرؤ عليّ هذه الأيام سوى بعض كتبي، ودعانا إلى أن نزوره في مزرعته اليوم التالي لكننا اعتذرنا لأننا سنسافر قبل ذلك، طلبنا منه بعض كتبه فامتنع فلما ألححنا عليه قال(صلوا معي المغرب وأعطيكم بشرط أن تصححوا الأخطاء من جدول التصويب الذي سأعطيكموه) فصلينا المغرب معه ثم تبعناه إلى منزله فأعطانا ثلاث نسخ من الجزء الأول من نظمه في العقيدة.
ثم توجهنا إلى عنيزة فزرنا الشيخ محمد بن عبد الرحمن الحنطي، وهو رجل معمر كفيف من تلاميذ الشيخ ابن سعدي فجلسنا معه نسأله عن أمور في حياة الشيخ ابن سعدي، فيما يتعلق بعلاقته بأهل بريدة والرياض، وسألناه عن قول الشيخ في التصوير الفتوغرافي فذكر لنا أنه يغلب على ظنه أنّ الشيخ يرى جوازه، ثم ودعناه ووعدناه بزيارة أخرى واستأذناه في أن نقرأ عليه الزاد في مجالس في زيارة قادمة فأذن بذلك.

وبهذا انتهت رحلتنا ورجعنا إلى الرياض
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق