ترجمة الشيخ العلامة الأصولي/ يعقوب الباحسين -حفظه الله-
الحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبيَ بعده، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعدُ:
فقد من الله على هذه الأمة بعلماء أجلاء قديماً وحديثاً، حملوا لواء العلم فقهاً وأصولاً وتفسيراً وحديثاً، وسعوا لتحصيل العلم ونشره سعياً حثيثاً، ومن بين هؤلاء العلماء في هذا الزمان: العلامة المتفنن الأصولي المتقن ذو التصانيف النافعة والمؤلفات الماتعة/ يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين -حفظه الله ورعاه-،هذا وقد أجرى طلاب المعهد العالي للقضاء لقاء مع الشيخ يعقوب، تحدث فيه الشيخ عن حياته، ومع أن اللقاء لم يتجاوز نصف ساعة إلا أنه قد ذكر فيه سطوراً من سيرته وصفحات من حياته، ووفاء بحق هذا العالم الجليل أحببتُ أن أنقل لكم بعض ما ذكره في ذلك اللقاء تمهيداً لكتابة سيرته بشكلٍ أوسع إن شاء الله، وقد كان ذلك اللقاء مع الشيخ -وفقه الله- في يوم الاثنين 26/3/1427هـ مابين الساعة الثامنة والنصف حتى الساعة التاسعة تقريباً، أسأل الله أن ينفع بهذه السيرة العطرة طلاب العلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بين يدي الترجمة:
إخوتي الكرام، من حضر منكم دروس الشيخ يعقوب -حفظه الله- رأى وسمع العجب العجاب، فهو عالمٌ متفنن، إذا تكلَّم في أصول الفقه فهو البحر الذي لا ساحل له، يحقق فيه القول ويدقق، ويأتي بالأقوال ويرجّح ترجيح إمام متقن، وربما تكلم في مسألة لغوية فسرد شيئاً من ألفية ابن مالكٍ سردَ متقن، وكم أراد الاستشهاد بشيء من أشعار العرب فسرد مقطوعة من الشعر، يحفظ ما لا يحصى من أشعار المتقدمين والمتأخرين، ويمتاز الشيخ بطرافته وتواضعه وزهده في مظاهر الدنيا.
الشيخ يعقوب ذو شغفٍ شديدٍ بالكتب والتأليف، يجلس في مكتبته من بعد الفجر إلى وقت دوامه، ثم من بعد العصر إلى الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل في كل يوم تقريباً، ومع هذا يشتكي من ضيق الوقت عن تبييض مصنفاته ومؤلفاته مما يدل على همّّةٍ منقطعة النظير على كبر سنه وانحناء ظهره وشيبة رأسه.
أسأل الله أن يديم عليه النعم ويدفع عنه النقم ، وأن يوفقه لخيري الدنيا والآخرة، والآن مع مقتطفات من اللقاء.
اللقاء:
** درس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدينة البصرة بالعراق.
** أبرز من أخذ عنهم العلم في البصرة: الشيخ عبد الوهاب حسون الفضلي، إمام مسجد عبد الله في البصرة، وهو من علماء أهل السنة، وقد كان عالماً جليلاً، درس عليه عدد من الكتب في علوم شتى.
** بعد وفاة الشيخ عبد الوهاب الفضلي جاء إلى البصرة شيخ الأزهر الحالي/ سيد طنطاوي، وكان واعظاً ثم صار إمام ذلك المسجد.
** لم يكن في البصرة علماء سوى الشيخ عبد الوهاب الفضلي، وشيخ آخر اسمه "مصطفى المفتي" كان مفتياً في البصرة في أواخر الدولة العثمانية، أما من سواهما فكان يوجد عدد من المشايخ الوعاظ، ويوجد عدد من مشايخ الشيعة المرتزقة الذين يتولون إبكاء الناس واللطميات ويأخذون منهم مبالغ يعيشون بها بقية العام.
** كان الأزهر أكبر معالم الدراسة الدينية في العالم الإسلامي آنذاك.
** ولذا انتقل إلى مصر عام 1947م للدراسة في كلية الشريعة بجامعة الأزهر، وذلك قبل أن يضاف لها "القانون"، وقد ذكر الشيخ أنه أضيف إليها بعد ذلك "القانون" فصارت كلية الشريعة والقانون، وعند إضافة القانون قُلّصت المواد الشرعية بشكل كبير.
** كان يُدرَّس في الكلية آنذاك "سبل السلام" و"نيل الأوطار" وتفسير آيات الأحكام.
** بعد التخرج من مصر 1951م رجع إلى البصرة وقام بالتدريس في الثانويات، ومعاهد إعداد المعلمين، فدرّس النحو والأدب واللغة وتاريخ الأدب وشيء من المواد الدينية -وكانت المواد الدينية قليلة ومحدودة في المدارس-.
** في الستينات الميلادية التحق بالدراسات العليا بجامعة الأزهر، وحصل على الدكتوراة برسالته "رفع الحرج في الشريعة الإسلامية" [عام 1972م].
** أثناء الإقامة بمصر التقى بعدد من مشايخ الأزهر: منهم الشيخ محمود شلتوت، والشيخ علي السايس، ومن غير الأزهر: الشيخ عبد الوهاب خلاف، وكان الشيخ خلاف يكتب في مجلة لواء الإسلام وهو ذو قدرة على تبسيط المعلومات والتأثير في سامعيه، وكان الشيخ يعقوب يحضر محاضراته في التفسير.
** كان يحضر محاضرات شلتوت في التفسير، وكانت طريقة الشيخ شلتوت تختلف عن طريقة الشيخ خلاف، وللشيخ شلتوت فتاوى مخالفة يُقال: إنه رجع عنها.
**التقى بالشيخ/ محمد أبو زهرة وكان يزوره في بيته، وحضر له في المنيل.
** كانت المسألة التي أشغلت الناس في ذلك الوقت مسألة "تحديد النسل" وكانت الحكومة تشجع تحديد النسل، ومع هذا فقد قام الشيخ أبو زهرة بمحاربة "تحديد النسل" وكان يذكر أنه مؤامرة من أعداء الإسلام.
**كان الشيخ أبو زهرة شديداً في الحق لا تأخذه في الحق لومة لائم، وكان يدرّس في زمن عبد النصر فأمر عبد الناصر بإحالته للتقاعد بسبب قوته في الحق، ثم رجع إلى للتدريس في الدراسات العليا، وكان أبو زهرة ينتقد السياسيين الذين يتخذون المصلحة سلاحاً لتحكيم القوانين وبعض التصرفات التي تبدر منهم، وقد ألقى محاضرة في ليبيا واعترض على القذافي.
** التقى الشيخ يعقوب بالكوثري وزاره، وهو عالم ضليع بلا شك، وقد ناقشته في بعض المسائل، وقد نصحني بعدم قراءة كتب ابن تيمية وابن القيم!!، وهو حنفي متعصب وصوفي، له عبارات شديدة لا تليق في حق العلماء.
**وممن استفاد منهم الشيخ مصطفى عبد الرازق وهو عالم ضليع في أصول الفقه، وأخوه هو عبد الغني عبد الرازق.
** بعد حصوله على الدكتوراة درّس الأصول والوصايا والمواريث وغيرها في كلية الحقوق بجامعة البصرة، ومن ذلك بدأ اهتمامه وعنايته بعلم أصول الفقه.
** طلب التقاعد من جامعة البصرة لينتقل عنها فأحيل إلى التقاعد ثم انتقل الشيخ إلى الرياض حدود عام 1402هـ وذلك بسبب ظروف العراق التي لم تكن ملائمة للبقاء، حيث كان للشيخ عددٌ من البنات يدرسن في الثانوية ويواجهن مضايقات في لبس الحجاب مما كان سبباً للانتقال إلى الرياض.
** منذ ذلك الحين والشيخ يدرس أصول الفقه في جامعة الإمام، وهو الآن يدرس في المعهد العالي للقضاء.
** حصل على جائزة الملك فيصل بسبب مؤلفاته في القواعد الفقهية.
هذا ما تيسر من ترجمة الشيخ يعقوب -وفقه الله-، وأسأل الله أن ييسر فرصة لترجمة أوسع لشيخنا الجليل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق