في مقال "بين ابن قدامة والحجاوي" دعوتُ إلى كتابة متن فقهي يناسب العصر: تحذف منه مسائل يندر وقوعها ويزاد فيه مستجدات يكثر وقوعها والسؤال عنها وقد كنتُ أثناء تلك الكتابة أدرك صعوبة ذلك المشروع، وكثرة عوائقه، وفي هذه الكتابة الموجزة أقف مع بعض تلك العوائق مقترحا بعض الحلول لتجاوزها:
العائق الأول: الكاتب.!
فمن لنا بمثل ابن قدامة أو الحجاوي ليكتب لنا ما رمتَ إليه!
وأين الفقيه المؤهل لكتابة ذلك الجامع بين العلم بالواقع والفقه في النوازل والقدرة على تخريجها على مذهبه أو الترجيح فيها استقلالا!؟
والحقيقة أن هذه النظرة التشاؤمية إلى العصر لم تكن وليدة عصرنا، بل لم يرض عالم ولا غيره عن عصره الذي عاش فيه، ولا عن أهله.
ويمكن تجاوز إشكالية الكاتب للمتن بأن يكون تأليفه جماعيا لا فرديا: بحيث تحصل الأهلية المطلوبة بمجموع الكتبة ويغطي كل منهم قصور غيره، وللتأليف الجماعي صور منها:
1. أن يكتب كلٌ الكتاب باباً باباً ثم يجتمعون للمناقشة في الصياغة النهائية.
2. أن يوكل كتابة كل باب إلى مختص أو عدة مختصين في ذلك الباب، ثم تقوم لجنة بصياغة ذلك والتأليف بينه في كتاب واحد.
ويمكن بعد ذلك طرح نسخة من المتن على الإنترنت للنقاش حولها و الإضافة والحذف من قبل كل متخصص في الفقه ليستفاد من كل من يمكنه الإفادة، ثم بعد مدة كافية ينظر في تلك الإضافات والتعديلات والانتقادات لإقرارها أو تجاهلها.
ومما يعين على ذلك أن تتبنى هذا المشروع جهة علمية لديها القدرة على تكليف الباحثين، واستكتاب العلماء، والتنسيق بينهم.
أو ينبري ثري أو وجيه أو سلطان لرصد جائزة أو جوائز ويعلن عنها قبل مدة كافية كسنة أو سنتين ليتقدّم الفقهاء والكتاب بمتونهم للمشاركة في المسابقة.
العائق الثاني: المذهب والاختيار.
على أي مذهب يكون المتن؟ وما المعتمد في المسائل الخلافية؟
ويمكن تجاوز هذا العائق بتنوع الكتابات، وتعدد الكتّاب... فالحنفية يكتبون والمالكية يكتبون والشافعية والحنابلة.. كل منهم تخريجا على قواعد وفروع مذاهبهم.
ومن يرى أن الأولى الكتابة على القول المختار عند شخص حقيقي أو اعتباريواا من غير تقيّد بمذهب من الأربعة فليكتب على تلك الطريقة.
ومن خلال التنوع والتعدد ستنتج ثروة علمية تجعل للدارسين والمدرسين خيارات ليتخير كل ما يناسبه.
ويرد هنا إشكال آخر وهو: من الذي له شهرة تجعل تخريجه على مذهبه أو ترجيحه المستقل مقبول عند أهل العصر؟
وهذا الإشكال وارد على كل من كتب من السابقين وتعرض لأي مسألة لم يتعرض لها من سبقه.. والكتاب هو الذي يفرض نفسه أو يقتلها في مهدها... فكم من كتبٍ لا تعلم تراجم أصحابها اعتمدها العلماء ودرّسوها وشرحوها..
وأما الطريقة الأخرى وهي السير على القول المختار لجهة أو شخص، فيمكن تطبيقها بشكل أكثر سهولة من خلال جمع فتاوى عالم معاصر ثم تلخيصها ثم صياغتها على صورة متن فقهي، ويمكن في سبيل ذلك الاستفادة من الكتب التي جمعت آراء واختيارات بعض فقهاء العصر كابن عثيمين وغيره.
وممن بدأ في هذا الطريق الشيخ وليد السعيدان بتلخيص فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فلو أتمّها وانبرى هو أو غيره لصياغتها في متن لكان متنا مقربا لفقه اللجنة... ويمكن أن يزاد عليها بعض المسائل التي لم ترد إما بتوجيه الأسئلة لهم أو بتخريجها على أجوبتهم أو بإضافتها من فتاوى أفراد أو هيئات أخرى مع ضرورة تمييز بعضها عن بعض.
العائق الثالث: صعوبة التعامل مع المسائل المعاصرة.
وسبب ذلك إما قلة أو انعدام الكتب في بعض المسائل المعاصرة، وربما احتاج الماتن إلى أن يبحث شهرا ليثبت في متنه سطرا لأنه لن يثبت إلا عن ترجيح أو تخريج وكلاهما ليس بالأمر السهل.
ويمكن للماتن إذا لم يتوصل لترجيح أو تخريج ظاهر للمسألة أن يلجأ إلى ذكر الاختلاف أو الاحتمال كما في مقنع الإمام الموفق.
فيقول –مثلا-: ( ويجوز التشقير على أحد القولين).
أو (وهل يجوز التشقير؟ فيه احتمالان) أو (فيه قولان) ونحو ذلك مما يشير فيه إلى المسألة من غير جزم، ليترك الترجيح لمن بعده من الشرّاح أو من المصححين، فكما جاء بعد ابن قدامة من نقّح وصحح مقنعه فلعله يأتي بعدك من ينقح ويصحح.
العائق الرابع: تجدد المسائل العصرية.
إن المستجدات والنوازل لم ولن تقف في ظني إلا بقيام الساعة.
فكيف يمكن أن يكتب متن يجمع بين دفتيه المستجدات؟
والحقيقة أنه لا يمكن جمع المستجدات إلا أنه يمكن أن يوضع في الكتاب مهمات المسائل، وأقترح لتجاوز هذا العائق: أن يكون ذلك المتن متجددا تصدر طبعته الجديدة في كل عام مرة أو مرتين، وتكون كل طبعة مزيدة ومنقحة يزاد فيها ما استجد واحتيج إليه، ويحذف منها ما اندرس أو قل وقوعه.
ومن الوسائل لتجاوز هذا العائق: أن يكون لذلك المتن موقع إلكتروني على الإنترنت يحدّث بشكل يومي أو أسبوعي أو شهري... وهذا أيسر من الطباعة وتكاليفها.
هذه أبرز العوائق التي وردت أو أوردت علي، والعمل العلمي على قدر نفعه وأهميته تزداد صعوباته وعوائقه.
أخي فضيلة الشيخ عامر بهجت بورك فيك
ردحذفأعتقد والله أعلم أن الطريقة المثلى والأقرب إلى الصواب , هي ذكر المسائل الراجحة والاكتفاء بها بأدلتها القطعية , ليسهل على الناس وخاصة طلبة العلم المبتدئين استيعاب المسائل وإدراكها جيدا , وكذا تحقيق المراد بتطبيق المسألة وفق نهج نبينا وصحابته الكرام , واختصارا للوقت والجهد , ولمن اراد الاستزادة والتعمق بالمقارنه فله ذلك
و مثل ذلك أصول الفقه و لا بد من التركيز فيه على الفهم , واشعار الطلاب بذلك , وووضع ملخصات مختصرة تعتبر مدخلا مهما لهذا العلم الجليل كالخرائط الذهنية مثلا
هذا ما احببت أن أشاركه معك وأسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يوفقني وإياك لما فيه صلاحنا بالقول والعمل
أخوك وزميلك : عبدالخالق بن حسن الغامدي
: